يكتب الدكتور كمران يجانجي في هذا التحليل أن التحول العالمي في الطاقة يُقدَّم غالبًا باعتباره ضرورة تقنية وبيئية لمواجهة تغيّر المناخ، لكن هذا التصور يتبدد عند النظر إلى الشرق الأوسط، حيث يرتبط ملف الطاقة بالسياسة ارتباطًا عضويًا. يوضح الكاتب أن السؤال الجوهري لم يعد ما إذا كانت المنطقة تدخل مرحلة انتقال طاقي، بل ما إذا كان هذا الانتقال يقود فعليًا إلى إعادة توزيع موازين القوة والنفوذ.

 

ويشير التحليل المنشور على موقع ميدل إيست آي  إلى أن النفط والغاز شكّلا لعقود أساس النظام الإقليمي المرتبط بالغرب، خاصة عبر التحالفات الأمنية بين الولايات المتحدة ودول الخليج. غير أن هذا النموذج يواجه اليوم ضغوطًا متزايدة، مع تصاعد الطلب الآسيوي، وتوسّع الدور الصيني، واستمرار الحضور الروسي، إلى جانب سياسات تنويع الشراكات التي تنتهجها دول المنطقة.

 

الطاقة بين الاستمرارية والتحول

 

رغم تنامي الاستثمارات في الطاقة المتجددة، يحافظ النفط والغاز على ثقلهما الجيوسياسي. تؤكد تقديرات وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك أن الهيدروكربونات ستظل عنصرًا رئيسيًا في أمن الطاقة العالمي لعقود مقبلة، لا سيما في مناطق حساسة مثل الشرق الأوسط. كشفت الأزمات العالمية الأخيرة أن الطاقة لم تفقد بعدها السياسي، بل استعادت دورها كأداة استراتيجية.

 

أبرزت الحرب في أوكرانيا كيف تعود الطاقة سريعًا إلى قلب الصراع الجيوسياسي، إذ تحوّلت اضطرابات الإمداد إلى أوراق ضغط سياسية مباشرة. عادت الطاقة لتعمل كوسيلة نفوذ لا كسلعة محايدة، كاشفة هشاشة الأسواق العالمية والتوازنات السياسية القائمة.

 

لاعبون إقليميون ونفوذ متجدد

 

يرى الكاتب أن التغيير الحقيقي لا يكمن في أهمية الطاقة، بل في هوية من يملك أوراق الضغط وكيفية استخدامها. لم تعد دول الشرق الأوسط مجرّد مورّدين سلبيين داخل أطر أمنية ثابتة، بل أصبحت فاعلين مستقلين يوظفون الطاقة كأداة دبلوماسية. تعكس سياسات السعودية والإمارات وقطر هذا التحول، من خلال الجمع بين الاستثمار في الوقود الأحفوري والطاقة النظيفة، وإبرام عقود طويلة الأمد للغاز الطبيعي المسال بهدف تقليل المخاطر وتعزيز الاستقرار الاستراتيجي.

 

في الوقت نفسه، تتحول تقنيات الانتقال الطاقي نفسها إلى أصول جيوسياسية. يخلق التحكم في المعادن النادرة وسلاسل توريد الطاقة النظيفة والبنية التحتية للهيدروجين أشكالًا جديدة من التبعية والنفوذ. تشير دراسات دولية إلى أن من يسيطر على هذه الموارد يتحكم في مفاتيح القوة المستقبلية.

 

انتقال أخضر بصراعات قديمة

 

يتقاطع هذا المشهد مع نظام دولي متعدد الأقطاب. ما زالت الولايات المتحدة لاعبًا محوريًا، لكنها لم تعد الحكم الأوحد. تعزّز الصين حضورها بصفتها أكبر مستورد للنفط من الشرق الأوسط، بينما تواصل روسيا التأثير عبر تنسيق الطاقة والشراكات الاستراتيجية، رغم العقوبات. يمنح هذا الواقع الدول الإقليمية هامش مناورة أوسع، لكنه يعرّضها أيضًا لمنافسة محتدمة بين القوى الكبرى.

 

يفنّد الكاتب فكرة أن التحول الطاقي ينزع الطابع السياسي عن الطاقة، مؤكدًا أنه يعيد تسييسها بأشكال جديدة. ترتبط مشاريع الطاقة المتجددة بالتمويل ونقل التكنولوجيا والتحالفات، وتتقاطع مع الأمن البحري والنزاعات الإقليمية. حتى دبلوماسية المناخ أصبحت ساحة صراع حول المسؤوليات والتكاليف وسرعة الانتقال.

 

يرى التحليل أن مستقبل الشرق الأوسط لا يتحدد بنجاح أو فشل التحول الطاقي وحده، بل بقدرة دوله على إدارة تبعاته الجيوسياسية. لا يمثل الانتقال عن الوقود الأحفوري قطيعة بسيطة مع الماضي، بل إعادة كتابة لقواعد النفوذ في منطقة ظلّت الطاقة فيها دومًا سياسة بامتياز.

https://www.middleeastmonitor.com/20251226-energy-transition-or-power-redistribution-a-geopolitical-reading-of-the-new-middle-east/